من معاناة الهجرة إلى النضال الحقوقي... تجربة مغربية في مواجهة العنف والتمييز

أكدت المغربية ثريا بوقصيبي التي لم تستسلم في وجه عوائق اللغة والقوانين في بلد أجنبي، وأسست جمعية لمساندة المهاجرات، على أهمية بناء جسور بين الجمعيات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا لحماية النساء وحقوقهن.

حنان حارت

المغرب ـ الهجرة ليست مجرد انتقال جغرافي، بل رحلة مليئة بالتحديات التي قد تحول حياة الإنسان بالكامل، وهو ما عاشته ثريا بوقصيبي التي استطاعت تجاوز الصعوبات وتحويل معاناتها الشخصية إلى دافع للنضال من أجل حقوق النساء المهاجرات في إيطاليا.

بعد تجربة قاسية، وجدت نفسها وحيدة في بلد أجنبي، تواجه عوائق اللغة والقوانين، لكنها لم تستسلم، بل بدأت من الصفر، وعملت في وظائف متواضعة قبل أن تتدرج في مسارها المهني، وتؤسس جمعية "المرأة والطفل ضد العنف" لمساندة النساء المهاجرات وتوعيتهن بحقوقهن.

وللتعرف على مسار رحلتها والتحديات التي تواجهها النساء المهاجرات في أوروبا، وكيف يمكن لمنظمات حقوق المرأة في العالم العربي وأوروبا التعاون لمكافحة العنف ضد النساء، كان لوكالتنا مع مؤسسة جمعية "المرأة والطفل ضد العنف" ثريا بوقصيبي الحوار التالي:

 

كيف ألهمتك تجربتك الشخصية لتأسيس جمعية المرأة والطفل ضد العنف في إيطاليا؟ وما أبرز الصعوبات التي واجهتك في بناء هذا المشروع الحقوقي في مجتمع أوروبي؟

تأسيس الجمعية جاء نتيجة لتجربتي الشخصية، فقد عشت تجربة زواج فاشلة وتعرضت للعنف، وقد تفاقمت الصعوبات عندما انفصلت عن زوجي، لأصبح وحيدة مع أطفالي، دون أي مصدر دخل أو معرفة بحقوقي القانونية.

وعند وصولي إلى إيطاليا، وجدت نفسي عاجزة عن التأقلم بسبب جهلي باللغة والقوانين، في البداية، تنقلت بين الإدارات الإيطالية والقنصلية المغربية دون أن أجد إجابات واضحة حول وضعي القانوني، مما جعلني أعيش في خوف دائم من فقدان أطفالي، حينها أدركت أن هناك العديد من النساء المهاجرات يعشن الوضع نفسه، خصوصاً غير المتعلمات أو اللواتي لا تتحدثن الإيطالية، وفي عام 2014، قررت تأسيس الجمعية لدعم النساء المهاجرات بغض النظر عن جنسياتهن أو خلفياتهن الثقافية والدينية، حتى لا يعشن التجربة القاسية التي مررت بها.

أما أبرز التحديات، فتمثلت في قلة خبرتي بالعمل الجمعوي، ما اضطرني إلى التعلم من الصفر وفهم الإجراءات القانونية المطلوبة، كما كان من الصعب إقناع الجهات الداعمة بأهمية المشروع، نظراً لأن التمويل غالباً ما يذهب للجمعيات الكبرى، ولكن التحدي الأهم كان كسب ثقة النساء أنفسهن، فكثيرات يخشين الحديث عن مشاكلهن بسبب الخوف من الفضيحة أو الاعتقاد بعدم إمكانية الحصول على مساعدة، لذا، ركزنا في البداية على التوعية وبناء الثقة، لإيصال رسالة مفادها أن هناك من يقف إلى جانبهن.

 

ما أشكال العنف التي تواجهها النساء المهاجرات في إيطاليا؟ وهل تختلف التحديات حسب وضعهن القانوني؟

العنف الذي تتعرض له النساء المهاجرات متنوع، ويمكن تصنيفه إلى عدة أنواع رئيسية، أولها العنف الجسدي كالضرب والاعتداءات الجسدية، وغالباً ما يتم التبليغ عنه عند مراجعة المستشفيات أو الشرطة، ثم العنف النفسي وهو الأخطر، لأنه غير مرئي، حيث تعاني النساء من الإهانة، التهديد، العزل عن المجتمع، والتحكم في حياتهن اليومية، وتالياً العنف الاقتصادي، إذ يمنع بعض الأزواج زوجاتهم من الاستقلال المالي، ما يجعلهن غير قادرات على اتخاذ قرارات بشأن حياتهن.

كما تتعرضن للعنف القانوني والإداري، حيث يستغل بعض الأزواج جهل زوجاتهم بالقوانين، فيهددونهن بحرمانهن من حضانة الأطفال أو بتركهن دون أوراق إقامة قانونية، إن مدى تعرض المرأة لهذه الأشكال من العنف يتأثر بمستواها التعليمي ومعرفتها باللغة والقوانين، فالنساء المتعلمات أو المتمكنات من الإيطالية تدركن حقوقهن بشكل أفضل، مما يسهل عليهن طلب المساعدة، أما النساء الأميات أو القادمات من بيئات محافظة، فتواجهن صعوبات أكبر، خاصة أن بعضهن يعشن في إيطاليا لسنوات دون تعلم اللغة، ما يجعلهن أكثر اعتماداً على أزواجهن.

 

لا تركز جمعية المرأة والطفل ضد العنف على النساء فقط بل على الأسرة ككل، لماذا اخترت هذه المقاربة؟ وكيف يمكن لهذا النموذج أن يعزز حقوق المرأة على المستوى الإقليمي والعالمي؟ ما طبيعة الخدمات التي تقدمها جمعية المرأة والطفل ضد العنف؟

تقدم الجمعية عدة خدمات تشمل الدعم القانوني، من خلال توعية النساء بحقوقهن وتوفير محامين متخصصين في قضايا العنف الأسري وحضانة الأطفال، والدعم النفسي والاجتماعي، وذلك عبر استشارات نفسية لمساعدتهن على تجاوز الصدمات العاطفية، بالإضافة للتوجيه والإرشاد لمساعدتهن في التعامل مع الجهات المختصة، مثل الشرطة والمحاكم والمراكز الاجتماعية، وكذلك التوعية والتمكين، عن طريق ورشات لتعليم اللغة الإيطالية، وتعريف النساء بحقوقهن، وتقديم محتوى توعوي عبر وسائل التواصل الافتراضي.

كما إننا نتعاون مع محامين ومستشارين اجتماعيين ومستشفيات لضمان حصول النساء على الدعم اللازم، ونعمل على توعية السلطات الإيطالية بالتحديات التي تواجه النساء المهاجرات، خاصةً فيما يتعلق بالتمييز الثقافي الذي قد يمنع بعضهن من طلب المساعدة.

لأن قضايا النساء لا يمكن فصلها عن السياق الأسري، فبعض النساء المهاجرات تتخذن قرارات مصيرية دون معرفة كافية بالقوانين، وعند التعامل مع قضايا الأسرة، من المهم التمييز بين العنف الجسدي أو الاقتصادي، الذي يتطلب تدخلاً فورياً، وبين الخلافات الزوجية البسيطة الناتجة عن سوء الفهم.

على المستوى الإقليمي والعالمي، يمكن لهذا النموذج أن يعزز حقوق المرأة من خلال توفير بيئة أكثر شمولية، تعالج القضايا المتشابكة بين النساء وأسرهن، كما أن التعاون بين الجمعيات النسوية في مختلف البلدان يساهم في تبادل المعرفة والخبرات، مما يعزز قدرة المنظمات على مواجهة التحديات العالمية مثل العنف الأسري، والتمييز، والفقر، مما يعود بالنفع على المرأة والأسرة بأكملها.

 

من بين القضايا التي تعملون عليها، قضية انتزاع الأطفال من أمهاتهم المهاجرات وتسليمهم لعائلات بديلة؟ كيف تتعاملون مع هذه الحالات؟ وهل يتم أخذ الهوية الثقافية والدينية للطفل بعين الاعتبار عند تسليمه لعائلة بديلة؟

القانون الإيطالي يعطي الأولوية لمصلحة الطفل، لكنه لا يميز بين الأبوين البيولوجيين والمربيين، مما يثير إشكالات، خاصة عندما يتم انتزاع أطفال المهاجرات وتسليمهم لعائلات بديلة، لذا، نركز على التوعية بالقوانين لحماية الأمهات وأطفالهن من الوقوع في هذه المآزق القانونية.

وهناك العديد من الجمعيات تعمل على هذه القضايا، لكنها تواجه صعوبات قانونية واجتماعية، بل وتعرضت بعض الجمعيات للتهديدات بسبب موقفها المعارض لفصل الأطفال عن أمهاتهم. القانون الإيطالي يحدد خمس حالات فقط يمكن فيها فصل الطفل عن أسرته، مثل العنف الجسدي أو النفسي أو الاقتصادي أو الجنسي، لكن المشكلة أن العائلات المهاجرة غالباً ما تجهل هذه القوانين، ما يجعلها تتخذ قرارات قد تؤدي إلى فقدان أطفالها دون وعي.

منذ تعديل القوانين عام 2019 وإدخال ما يعرف بـ "الكود الأحمر"، يتم إبعاد الطفل مؤقتاً عن أسرته عند الاشتباه في تعرضه للعنف، حتى يتم التحقيق في الأمر، المشكلة أن نسبة الأمهات اللواتي يستطعن استعادة أطفالهن بعد ذلك لا تتجاوز الـ 40%، مما يعني أن 60% يفقدن حق الحضانة نهائياً.

وتواجه مراكز الإيواء تحديات إضافية، حيث تركز معظم القوانين على حماية الطفل دون مراعاة احتياجات الأم، كما أن تسليم الأطفال لعائلات إيطالية يؤدي إلى اختلافات ثقافية ودينية قد تؤثر على هويتهم.

يبقى الحل في توعية النساء المهاجرات بحقوقهن القانونية، ومساعدتهن على اتخاذ قرارات مدروسة، حتى لا تجدن أنفسهن في مواقف قد تؤدي إلى خسارة أطفالهن بسبب قرارات متسرعة أو سوء فهم للقوانين.

 

ما أهمية التعاون بين المنظمات الحقوقية النسوية في العالم العربي وأوروبا لمواجهة العنف ضد النساء؟

هناك حاجة ماسة لشبكات تعاون بين المنظمات النسوية في البلدان العربية وأوروبا، لضمان حصول النساء المهاجرات على الدعم القانوني والحقوقي اللازم، ولتحقيق ذلك، يجب اتخاذ خطوات عملية، مثل تنظيم حملات توعوية حول الحقوق القانونية للنساء المهاجرات، عقد ندوات ولقاءات حول قضايا العنف ضد المرأة في المجتمعات المهاجرة، والتوعية بالقوانين الأوروبية، وإنشاء شبكات تنسيق بين الجمعيات الحقوقية في البلدان الأصلية وأوروبا لضمان حماية النساء قانونياً.

 

انطلاقا من تجربتك الخاصة ما الرسالة التي تودين توجيهها للنساء اللواتي تستلمن أمام أول عائق يقف أمام تحقيق طموحاتهن، وكذلك المهاجرات اللواتي تعشن أوضاعاً صعبة ولا تستطعن التحرر من دائرة العنف؟

صحيح أنه في بداية عملي، كنت مجبرة على العمل بأي وظيفة متاحة لتأمين لقمة العيش لأطفالي، ومع مساعدة الأخصائية الاجتماعية، شعرت وكأنني تحت ضغط مستمر، حيث كانت تذكرني دائماً بأنه إذا لم يكن هناك مستقبل واضح للأطفال، فقد لا يكون من حقهم البقاء معي.

لكن أنا من النوع الذي يحلم منذ الصغر، شغوفة وطموحة، ودائماً ما أسعى لمعرفة المزيد، لم أكن أمتلك مؤهلات دراسية عالية، لكنني لم أستسلم، بدأت العمل كعاملة نظافة، ومع مرور الوقت، بدأت أبحث عن فرص للتعلم والتطور، وتدريجياً بدأت أتقدم في عملي، انتقلت من عاملة نظافة إلى موظفة في المتجر، ثم إلى مسؤولة عن ترتيب السلع، ومن هناك أصبحت أساعد في تشغيل وتدريب الشباب اللاجئين الذين كانوا يبحثون عن فرصة للعمل والاستقرار.

بالنسبة لي، الاجتهاد والمثابرة هما المفتاح، لم يكن طريقي سهلاً، لكنني لم أسمح لأي تحد بأن يوقفني، اليوم، أعتبر نفسي مثالاً حياً على أن الطموح والعمل الجاد يمكن أن يفتحا أبواب النجاح أمام أي شخص، مهما كانت بدايته متواضعة.

رسالتي لكل امرأة تواجه العنف ألا تخاف، وألا تبقى صامتة، هناك جمعيات ومنظمات مستعدة لمساعدتها، وعليها أن تعرف حقوقها القانونية حتى لا تقع ضحية للاستغلال، فالتعليم والتوعية هما السلاح الأقوى لحماية المرأة.